عندما يتصدى مخرج سينمائي لإخراج مسلسل تلفزيوني فإنه ينقل كل عناصر الإبهار والحبكة السينمائية إلى التلفزيون, فيجعل الجمهور في حالة نشوة وسعادة مما يراه على الشاشة الصغيرة من فن سينمائي دون أن يذهب إلى دار العرض.
والأمثلة على ذلك كثيرة فقد فعلها كبار مخرجي السينما وشبابها أيضا مثل سمير سيف وخيري بشارة ومحمد عبد العزيز ومجدي أحمد على وسامح عبد العزيز وهالة خليل ومحمد على .
أما أن يحدث العكس ونرى مخرجا تلفزيونيا على شاشة السينما فإن الأمر يختلف تماما فهو دونما وعى منه يقوم بالإخراج بنفس أسلوبه في التلفزيون وهذا هو الفخ الذي سقط فيه المخرج عصام الشماع في فيلمه الجديد "الفاجومى" فعلى الرغم من نجاح تجاربه المتعددة في التلفزيون إلا أنه لم يستطع أبدا أن يقنعنا أننا نشاهد فيلما سينمائيا , وهذا ليس رأيي الشخصي وإنما رأى اتفق عليه عدد ليس بالقليل من الجمهور العادي الذي شاهد الفيلم .
ولو أننا عددنا معا مواقع التصوير التي رأيناها في الفيلم فلن تزيد على أصابع اليد الواحدة فهي إما في بيت الشيخ إمام أو في الحارة أو الجامعة أو المعتقل وفى مشاهد قليلة في منزل أسرة فرح يوسف الذي رغم فخامة ديكوراته لم يستفد منه الشماع أضف إلى ذلك مشهد الماستر سين الذي يضم الصاوي وصلاح عبد الله على الكورنيش.
الغالبية العظمى لمشاهد الفيلم كانت داخلية ولعل السبب الرئيسي وراء ذلك هو أن الفترة الزمنية التي تدور بها الأحداث لم تكن تسمح بالتصوير في شوارع القاهرة أو الإسكندرية في الوقت الحالي لكن هذا مردود عليه فقد سبق أن فعلها أنور القوادرى في فيلم "جمال عبد الناصر" , كما فعلها محمد فاضل في فيلم "ناصر 56" وان كان تصوير أغلب مشاهده قدتم في مدينة الإنتاج الإعلامي إلا أن المخرج أعطانا إيحاءا أنه تصوير خارجي بالفعل , كما أنه كان من أول الأعمال التي يتم تصويرها في المدينة ولم تكن الديكورات قد استهلكت في العديد من الأعمال الفنية وأصبحت محروقة كما هو الحال اليوم .
ومع احترامي وتقديري لكل الأقلام التي أشادت بأداء خالد الصاوي لدوره في هذا الفيلم ومع حبي الشخصي له إلا أنني أرى أن الفاجومى هو أسوأ أدواره على الإطلاق فليس هذا هو حاتم رشيد في "عمارة يعقوبيان" وليس هذا هو العميد رشدى وهدان في "الجزيرة" ولا المقدم حسن في "أهل كايرو" ولا هشام المراغى فى "قانون المراغى" ولا الأسطى زينهم في "الفرح" ولا بلعوم المطرب الشعبي في "كباريه" .. لم يكن هذا هو خالد الصاوي الذي أجبر الجميع نقادا وجماهير وكذا فنانين ومخرجين من أجيال مختلفة على رفع القبعة والانحناء لعظمة أدائه في جميع أدواره السينمائية والتلفزيونية والمسرحية.
لم يكن هناك مشكلة أبدا في أن تطول مدة الفيلم عن ساعتين حتى يعطى المخرج نفسه وقتا لاستعراض تلك الفترة الطويلة من حياة نجم وحياة مصر سياسيا واجتماعيا بالقدر المناسب لها , لم يكن هناك ضرورة للتعجل في إنهاء التصوير وطرح الفيلم بسرعة في هذا التوقيت للاستفادة من فورة الجماهير الحماسية في الإقبال على مشاهدة الفيلم وهو ما لم يحدث , لم يكن هناك داع أيضا للإغراق في المشاهد الجنسية لمداعبة شباك التذاكر , ولم يكن هناك داع بأي حال من الأحوال للقفز بالأحداث من الثمانينيات إلى أيامنا تلك لحشو مشهد لميدان التحرير واللعب على وتر ثورة 25 يناير .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق